حمدى بطران من كواليس التحقيق معي بخصوص رواية يوميات ضابط في الأرياف

الجمعة، 9 مايو 2014

في 23 فبراير 1998واثناء وجودي في إحدى قاعات مكتبة القاهرة الكبرى ضمن فعاليات مؤتمر الرواية العربية , لحضور ندوة من ندوات المؤتمر , أخبرني أحد الأدباء بأن عامل تليفون المكتبة كان يسأل عنى , وبالفعل توجهت إلى غرفة التليفون , وأعطاني العامل ورقة مكتوب فيها رقم مطلوب الاتصال به , وعندما اتصلت بالرقم , وأخبرني المتحدث بضرورة الاتصال بمنزلي فى الصعيد . لأن الأسرة فى الصعيد تريد أن تتحدث معي في أمر هام ! 
عندما اتصلت . أخبرتني زوجتي بأن مجلة روزاليوسف نشرت موضوع عن رواية يوميات ضابط في الأرياف في صفحتين متقابلتين . وقالت إن هذا " مش كويس عشان الشغل " وأخبرتني أن مسئولين من – جهة عملي - سألوا عنى , وأنها أخبرتهم بأنني موجود في القاهرة , وسألها المتحدث الذي لم يخبرها عن اسمه ولا صفته , عن مكاني في القاهرة , أخبرته أنها لا تعلم مكان تواجدى , ولا المكان الذي أنام فيه . 
أبلغها الضابط أن تخبرني بضرورة قطع الإجازة بسرعة والعودة للعمل . 
قالت له زوجتي أنها ستبلغني بذلك . 
كان هذا في الساعة الثانية ظهرا 22 فبراير 1998. كما أخبرتني إنه بعد ساعة واحدة , عاود نفس الضابط الاتصال . وأخبرها أنه مسئول كبير بجهة عملي , ولم يخبرها بوظيفته . وطلب منها أن تحدد بالضبط مكان وجودي بالقاهرة, أخبرته أنني مدعو في مؤتمر أدبي ولا تعلم أي تفاصيل خلاف ذلك .
زاد قلقها وخوفها هي وأولادها .
اعتقد الضابط أنها تراوغه , وأنها تريد أن تتستر على زوجها , وعندما لمس مبلغ جزعها , قال لها إنه يريد أن يبلغني بعض التعليمات الخاصة بالعمل , أخبرته زوجتي إن رآستي تعرف أنني في أجازه , وأنها لا تعرف شيئا عن الموضوعات التي يود إبلاغها , وطلبت منه بأدب ألا يعاود الاتصال مرة أخرى بخصوص هذا الموضوع .
فى الساعة الثانية صباحا عاود نفس الضابط الاتصال , أيقظ اتصاله الأطفال كلهم , كان في الثانويةالعامة , ولاء في الإعدادية الشيماء في السادسة , اسماء في الثانية الإبتدائية .وطلب منها أن تبلغني بضرورة المثول أمام جهات التحقيق بمقر عملي صباح باكر لسؤالي في تحقيق . 
لم تذق الأسرة طعم النوم باقي الليلة . وهو ما دعاهم إلى الاتصال بي في الصباح في مكتبة القاهرة الكبرى . 
عندما أخبرتني زوجتي بذلك طمأنتها ,وقلت لها إن الأمر لن يتعدى مخالفة إدارية بسيطة, بسبب ما نشر في مجلة روزاليوسف . وأنني لا دخل لي بما نشر في المجلة . 
وأخبرتها أنني لم أتقابل مع أي صحفي في المجلة لينشر على لساني شئ .
كما أخبرتها أنه لم يكن هناك مبرر لإبلاغي بقطع الإجازة للمثول أمام جهات التحقيق بجهة عملى لأن الأمر لا يستحق , وأنه من الممكن الانتظار حتى ارجع من الأجازة , 
طلبت منها ألا تنزعج , واستأنفت حضور باقي الجلسات مؤتمر الرواية العربية .

في اليوم التالي الثلاثاء 24فبراير 1998. ذهبت إلى دار الهلال لشراء نسخ من الرواية لإعطائها لأصدقائي وزملائي الذين طلبوا منى الرواية لقراءتها . 
تقابلت مع مصطفى نبيل , رئيس تحرير الهلال وسلسلة روايات الهلال , تكلم معي عن رد فعل الرواية , وعما نشرته روزاليوسف ,وأبدى استياءه لأن روزاليوسف نشرت الموضوع في صورة هجوم على وزارة الداخلية . طلبت منه أن يأذن لي بالاتصال بالأسرة في الصعيد من تليفون مكتبه . 
وعندما اتصلت وجدت زوجتي منزعجة جدا !
وكانت تتكلم بحدة وعصبية . 
وأخبرتني أن مأمور مركز ديروط الذي يتبعه محل إقامتي أتصل بها , واخبرها أن تبلغني بضرورة الحضور لمركز الشرطة , للتوقيع على أوراق تخصني عنده في المكتب , وقرأ عليها نص الإشارة الواردة إليه لإبلاغي بالمثول أمام جهات التحقيق بمقر عملى , وقالت إنها أخبرته بأنني غير موجود في البيت , وأنني في إجازة وموجود حاليا في القاهرة . 
طلب منها الحضور لمركز الشرطة بنفسها !
وعندما رفضت , طلب منها أن ترسل ابني الكبير الى مكتبه للتوقيع على الأوراق الموجودة لديه بالعلم والتي تفيد ضرورة إبلاغي بالحضور. كان وقتها فى السادسة عشرة من عمره . 
أخبرته زوجتي أنها ولا ابنها لديهم الاستعداد للخروج من المنزل لأجل التوقيع على أوراق لن تتأثر كثيرا بانتظار حضوري . وأخبرته أنها زوجة ضابط كبير مثله , وينبغي التريث حتي يعود من الأجازة . 
كما أخبرته بأن لا وجه للاستعجال , وأخبرته أيضا بأنني سأحضر بعد يوم أو أثنين ولن أهرب خارج البلاد .
ولكن الضابط أخبرها بأنه يقدر لها موقفها كزوجه لزميل , غير أنه لا يستطيع أن يتأخر في إبلاغ رئاسته بأنه قد أبلغني بالطريقة الرسمية التي تحتم وجود توقيع – منى شخصيا أو من ينوب عنى , ويساكنني في البيت , أو أحد أقارب الدرجة الأولى, وذلك طبقا لقواعد قانون المرافعات المدنية فى القانون المدني في باب " الإعلان بالحضور ". 
حسما للموقف , أخبرها المأمور بأنه سيرسل إليها الأوراق مع ضابط صغير في البيت للتوقيع عليها .
وبعد نصف ساعة من الاتصال توقفت مدرعة كبيرة أمام البيت , ونزل منها ضابط معه سلاحه الشخصي , وخلفه عدد من أمناء الشرطة والجنود وفى أيديهم الأسلحة الآلية , ٍسألوا عن المنزل في الشارع , وصعدوا إليه , استدعت زوجتي أحد أشقائها , كان أبني موجودا ,وعندما دخل الضابط أخبرهم بأنه ليس المطلوب منها سوى التوقيع على الأوراق بعد كتابة إسمها بالكامل ,والإطلاع على بطاقتها الشخصية , وقعت زوجتي على محضر الإجراءات لإعلاني بضرورة المثول أمام السيد المحقق .

الحق أنها كانت متأثرة جدا , وطلبت مني أن أعود , كانت تشعر هي والأولاد بخوف حقيقي , خصوصا وأنها لا تعرف شيئئ عن موضوعات التحقيق وإجراءاته . 
لم تصدق أبدا أن كل هذا يمكن أن يحدث بسبب رواية , أو موضوع نشره صحفي مجلة . 
الغريب أن كل هذا تم خلال اثنتي عشرة ساعة فقط .
علمت كل هذا في مكتب مصطفى نبيل بالتليفون من زوجتي . فى ذلك الوقت لم يكن التليفون المحمول قد ظهر بعد . وقتها لم تكن تليفونات الكبائن قد ظهرت أيضا. وسمعني وأنا أقول لزوجتي بأنني سأقطع الأجازة لأعود إليهم فورا .
بعد أن وضعت السماعة , سألني مصطفى نبيل عما حدث . أخبرته بكل التفاصيل . 
قال :
كل هذا بسبب مخالفة أداريه ؟ 
وقال إن هذا ربما يكون مقدمة لإجراء أشد عنفا , 
وفى تلك الأثناء وصل يوسف القعيد الروائي والكاتب المعروف بمؤسسة دار الهلال, حكى له مصطفى نبيل ما حدث مع ومع أسرتي فى الصعيد , وطلب منه أن يحاول الاتصال بأحد أصدقاءه في العلاقات العامة في وزارة الداخلية لمعرفة سبب كل هذا , وطلب أن يتكلم معهم بصفة ودية , وألا يخبرهم بأنني موجود عندهم في دار الهلال . 
بالفعل أجري يوسف القعيد اتصالا بضابط من العلاقات العامة . أسمه محمود الفيشاوي [ ] , كان برتبة العميد , وتبادل معه الحديث الضاحك , وبعد السلامات والمجاملات دخل في الموضوع قائلا:
الأخ حمدي البطران موجود عندنا في الهلال , وأبلغنا بأن قوه مسلحة من الشرطة توجهت إلى منزله الآن في الصعيد , وأنه يحملكم مسئولية ما يحدث لأولاده .
وسكت يوسف لحظات , كان يستمع خلالها إلي الجانب الآخر . وكان يهز رأسه ويقول :
طيب . طيب .
وبعد أن وضع السماعة التفت إلي وقال :
كده كويس ؟
بمعني أنه خدمني , ونقل للضابط ما كنت أريد أن انقله .
نظر إليه مصطفى نبيل وقال مستفسرا :
فيه إيه ؟ 
قال :
أبدا مفيش حاجة , دي شوية إجراءات إدارية عندهم , وهو عارفها .
ثم التفت نحوي وقال :
سيادة العميد محمود الفيشاوي منتظرك في مكتبه بوزارة الداخلية , بعد عشر خطوات من هنا . فى شارع ريحان .
طلب مني يوسف القعيد ان أنتظر . وخرج من عند مصطفي نبيل , وعاد بعد لحظات . وفي يده عشرة نسخ من يوميات ضابط في الأرياف , طلبها منه العميد الذي كان يكلمه . وأخبرني أن أسلمها له !
ذهبت إلى وزارة الداخلية , إدارة العلاقات العامة . قابلت محمود الفيشاوي .
كان يتحدث تليفونيا مع شخص عن موضوع لا أذكره , ولم يشر لي بالجلوس كالمعتاد , جلست من تلقاء نفسي , بعد نصف ساعة وضع يده على السماعة , أشار لعسكري المكتب بما معناه , أن يسألني أشرب إيه .
لم أطلب شئ , غير أن العسكري ألح . تخلصت من إلحاحه بطلب الشاي . 
دخل ضابط , أعرفه , وهو أيضا يعرفني معرفة جيدة , فقد سبق ان أهديته كتبى السابقة . كما أنه حضر واقعة قيام وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد عبد الحليم موسي بمكافأتي عام 1992, عندما اهديت له روايتي الأولي " اغتيال مدينة " . وسبق له تأليف رواية ونشرها فى الهيئة العامة للكتاب , ولم يذكرها احد , وبعدها توقف عن الكتابة . 
تعامل معي الضابط الذي أعرفه بتجاهل تام . كما لو كان لا يعرفني , وتجاهلني تماما .. ولكنه التفت إلي وقال بصوت هامس : 
إزيك . ؟ 
ولم يمد يده ليصافحني كالمعتاد , وجلس فى انتظار أن ينتهي العميد محمود الفيشاوي من حديثه , 
بعد أن أنهى حديثه , أشار الى وقال :
إزيك .. إنت حمدي البطران ؟

----------------------------------- 
من كواليس التحقيق معي بخصوص رواية يوميات ضابط في الأرياف .


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Popular Posts